الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فقد كثر في هذا الزمان الطعن على ولاة الأمر وذكر المنكرات التي يفعلونها، وكثير منها مما لازمام له ولا خطام، وأحاديث زخرفت بزخارف الغيرة على الدين وطلبا لرضا رب العالمين، وهي طوبليات يقصد بها غير ظاهرها بل ظاهرها الغيرة والمصلحة وباطنها الحقد والشهوة، فينبغي على المسلم الغيور وطالب النجاة من نار الدنيا والآخرة أن يتريث فلا يتسرع ويندفع في قبولها ونشرها، وسأضرب مثالا عظيما من كلام أحد أئمة الدعوة وعلمائها الذين يدعي كثير ممن ينشر تلك الأكاذيب والإفتراءات ويدق لها طبول الخروج والثورات في وسائل الإعلام المختلفة والتواصل الحديثة؛ حتى يظهر جليا أن منهج أئمة الدعوة في معاملة السلطان: هو منهج السلف الصالح حذو القذة بالقذة، لم يشذ عنه قدار أنملة، وأن ما يصنعه دعاة المحنة والفتنة في هذا الوقت هو بعينه ما صنعوه في زمن أئمة الدعوة وفي كل زمان ومكان. فهم أخدع من ذئب وأروغ من ثعلب وأحقد من جمل وأحمق من نعامة؛ لأنهم ضيعوا الدين والدنيا فلم يكسبوا أجرا ولا أجرة.
قال العلامة حمد بن عتيق – رحمه الله – كما في: ((الدرر السنية: ٤٧/٩)) دفاعا عن الإمام عبدالله وردا على أخيه الإمام سعود الذي طعن في الإمام عبدالله: ((بسم الله الرحمن الرحيم
من حمد بن عتيق، إلى الإمام سعود، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: وصل إلي خطك وتأملته، وكثرت الظنون فيه، حتى إني ظننت أن الذي أملاه غيرك، لأن فيه أمورا ما تصدر من عاقل، وفيه أكاذيب ما تليق بمثلك)) إلى أن قال – رحمه الله تعالى -: ((وأما جراءتك في حق أخيك، مثل قولك: إن عبد الله أفسد أديان الناس، فهذا كلام مستبشع، لايحل التلفظ بمثله، وحرص عبد الله على صلاح دين الناس ودنياهم أمر معلوم.
وأما الذين هلكوا في المعتلى، فنرجو أن من صلحت نيته منهم شهيد، ولم يموتوا إلا بآجالهم، ونرجو لهم عند الله، لأنهم قتلوا تحت سيف ابن سريعة، ونحوه من الطواغيت.
وأما دعواك على أخيك: فعل كذا وكذا، فلو كان صدقا لم يوجب خروجك عليه، وشق عصا المسلمين، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، أنه يجب على المسلم السمع والطاعة، وإن ضرب ظهره وأخذ ماله؛ وأنت لم يضرب لك ظهر، ولا أخذ لك مال، فإن كان الذي حملك على ما فعلت: الطمع في بيت مال المسلمين، واستقلالك ما تأخذ منه، فهذا من العدوان الظاهر.
فإن بيت المال مشترك بين المسلمين، عامهم وخاصهم، مع أن أخاك ما قصر في عطائك، يعطيك أشياء لاتستحقها، فإن الواحد منكم كأنه واحد من المسلمين، وما يفعله كثير كم من الملوك، من تفضيل أقاربهم، قد أنكره السلف، وعمل أئمة العدل يخالفه؛ وقد بلغك: أن عمر بن الخطاب نقص ابنه عبد الله عن عطاء المهاجرين خمسمائة درهم.
فلو أن أخاك عاملك بما تقتضيه السنة، وما ذكره مثل شيخ الإسلام في السياسة الشرعية، لم يكن لك عليه حجة، ولكان أحرى بإعانة الله له عليك وعلى من خرج، فكيف وهو يحثو عليك وعلى أشباهك ما لا تستحقونه، والظاهر أن هذا ما يخفى عليك))اه.
١- فانظر أيها القارئ الكريم كيف صدر العلامة حمد بن عتيق – رحمه الله تعالى – خطابه ورسالته لسعود بقوله: ((وصل إلي خطك وتأملته، وكثرت الظنون فيه، حتى إني ظننت أن الذي أملاه غيرك، لأن فيه أمورا ما تصدر من عاقل، وفيه أكاذيب ما تليق بمثلك)) قال أكاذيب!!
ومن هذه الأكاذيب قول سعود في حق أخيه الإمام عبدالله: ((إن عبد الله أفسد أديان الناس، فهذا كلام مستبشع، لايحل التلفظ بمثله، وحرص عبد الله على صلاح دين الناس ودنياهم أمر معلوم))!!
وهذا ما نسمعه من دعاة الخروج والثورات في هذه الأيام فما أشبه الليلة بالبارحة.
٢- وتأمل إشارة العلامة حمد بن عتيق إلى الدافع الحقيقي لما فعله سعود من الطعن على أخيه الإمام عبدالله والسعي في عزله وثلم عرشه، وهو قوله – رحمه الله تعالى -: ((فإن كان الذي حملك على ما فعلت: الطمع في بيت مال المسلمين، واستقلالك ما تأخذ منه، فهذا من العدوان الظاهر)) ثم بين وجه الحق في ذلك وكشف الشبهة بقوله – رحمه الله تعالى -: ((فإن بيت المال مشترك بين المسلمين، عامهم وخاصهم، مع أن أخاك ما قصر في عطائك، يعطيك أشياء لاتستحقها، فإن الواحد منكم كأنه واحد من المسلمين، وما يفعله كثير كم من الملوك، من تفضيل أقاربهم، قد أنكره السلف، وعمل أئمة العدل يخالفه؛ وقد بلغك: أن عمر بن الخطاب نقص ابنه عبد الله عن عطاء المهاجرين خمسمائة درهم.
فلو أن أخاك عاملك بما تقبضيه السنة، وما ذكره مثل شيخ الإسلام في السياسة الشرعية، لم يكن لك عليه حجة، ولكان أحرى بإعانة الله له عليك وعلى من خرج، فكيف وهو يحثو عليك وعلى أشباهك ما لا تستحقونه، والظاهر أن هذا ما يخفى عليك))اه.
إلى آخر ما ذكره – رحمه الله تعالى – في تلك الرسالة النفيسة العظيمة، فحري بطلاب العلم والعامة أن يطلعوا عليه ويتأملوا كلماتها؛ فإن فيها بيان منهج أئمة الدعوة في معاملة السلطان، ورد كثير من شبه شياطين الثورات في هذا الزمان، ودعاة الباطل الذين يطلون برؤوس البدع وزعزة أمن المسلمين بين الفينة والأخرى، ويسعون في تدمير قوتهم، وتخلفهم عن ركب التقدم والرقي.
خصوصا بلاد التوحيد ومهبط الوحي ومعقل أهل السنة والجماعة في هذا العصر المملكة العربية السعودية – حرسها الله من كيد الأشرار ومكر الفجار-.
اللهم احفظ بلاد المسلمين من شر المفسدين ووفق ولاة أمورهم لما تحب وترضاه.
✒️كتبه:
يونس بن محمد الصباحي مملكة البحرين ٧ رجب ١٤٤٤ه